التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حكـايات طالبـة فـ(2)، 4

(4)
في الصفوف ما بعد الثاني الابتدائي شاءت الأقدار بأن تضعني في صف واحد مع ابنة معلمة اللغة العربية أ.منى ، واستمرت هذه الطالبة معي إلى الصف السادس الابتدائي ، حيث كان اخر صف لي في تلك المدرسة التي لم احن يوما إليها ، وكم كرهتها وأشعرتني بأنني " بنت البطة السودة" ..

في الصف الثالث الابتدائي لأول مرة شعرت بأنني محظوظة منذ ان وطئت قدمي هذه المدرسة حينما اخترت لقراءة "حكمة اليوم " في احد الإذاعات الصباحية ، بعدما شاركت في جماعة الإذاعة المدرسة للمرة الثالثة على التوالي دون أي فرصة تسنح لي للمشاركة بصوتي في الإذاعة .. على عكس ابنة المعلمة " نورا " ، فقد كانت تقرأ يوميا في الإذاعة ، اما ان تكون هي مقدمة البرنامج او أي شيء اخر .. اما انا فكم كانت فرحتي كبيرة بقراءة سطر واحد ..
وقفت هناك على المنصـة واذا بي ارتجف خوفا والورقة التي لم يكن لها داعي بيدي فقد كانت تلك الحكمة معروفة لدى الجميع وحفظتها اكثر من حفظي لاسمي كانت تقول " من جد وجد ومن زرع حصد ومن صار على الدرب وصل " ..
انتهى ذلك اليوم وانا فرحة متمنية ان اعيد الكرة ، وان اقرأ شيئا اخر .. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .. فقد صدق المتبني في قوله ، خاصة ان لم اكن ابنة معلمـة ..

ما زادني اغتضاضا ، انه في احد حفلات التي تقام بالمدرسة تم اختيار طالبات للرقـص على انغام انشودة "البحر " التي من كلماتها " امام البحر قد وقف .. صبي يجمع الصدف " ، المهم كنت من ضمن 3 اللاتي تم اختيارهن ، وبالتأكيد " نورا " من ضمننا ..
ولأن "صفاء" هي صديقة "نورا " روح بالروح ، والعقل بالعقل ، والسن بالسن ، والخ .. ولم يتم اختيارها ، فقد اخبرت والدتها ، وتفاجأت باليوم الثاني ، اليوم قبل الحفـل بالتحديد بإخباري بأنني لن اكون ضمن المشاركات في الرقص وان " صفاء " ستحل محلي .. ولكوني في تلك الفترة اعاني بنوع من العقد النفسي من كل كائنات الحية المتسمى بالمعلمات فلم انطق بحرف بل تقبلت الأمر بالصمت والعودة الى مقعدي وانا بدخلي اغلي غضبا ، وقد نفست عن غضبي في البيت بالبكاء الشديد والمرير .. وتمنيت لو انني كنت " ابنة معلمة " او على الاقل " ولدا" ولم اكن في تلك المدرسة ..

منذ تلك اللحظة وانا كلما شعرت بضيق وطبعا لا يضايقني شيء سوى الظلم الذي يصيبني بتلك المدرسة ، اتمنى لو انني كنت "ولدا " او لو انه يكن لي وجود في هذه الحياة ..
بسبب هذين الموقفين ، قررت ان اعتزل في مشاركتي بجماعة الاذاعة المدرسية ، وشاركت في جماعة اخرى آملة ان يكون حظي فيها افضل ، فشاركت في جماعة الرحلات .. عل حظي التعيس يعتدل .. وما جعلني اعتقد هذا الاعتقاد هو ان " نورا " و" صفاء" لم تكونا عضوات في تلك الجماعة والحمدلله ..

صحيح لم يحالفني الحظ في اول سنة لي مع هذه الجماعة ، إلا انه في السنة التي يليها تم اختياري للذهاب إلى رحلة .. وكانت الرحلة هي زيارة معرض مسقط الدولي للكتاب ، الذي يقام سنويا .. وما اقهرني في الأمر ان "نورا" ايضا ذهبت للرحلة رغم انها لم تكن ضمن طالبات الجماعة ، وايضا لم تكن ضمن الطالبات الأوائل اللاتي كرمن بالذهاب للرحلة .. ولكنها ذهبت لكونها " ابنة معلمـة " .. ابنــة معلمة فقطـ لا غيـر ..

ليست هذه المواقف فقط التي حدثت واقهرتني ، بل ايضا حينما تم السؤال عمن يرشح نفسه لرئاسة الفصـل تجرأت واخيرا في الصف الرابع الابتدائي برفع يدي لأكون رئيسة الصف ولو لمرة واحدة في الحياة ، رغم انني ادرك ان لا امل في ذلك ولكن لا عيب في المحاولة ..
كنت من ضمن الستة اللاتي رشحن انفسهن ، ولم اتوقع ان كون ضمن الاربع الذين سيكملون المنافسـة ..
وما اقهرني في الأمـر ، ان المنافسة على رئاسة الفصل توقفت فقط لان " نورا " ضمن المرشحات ، رغم ان طالبات الصف بالتصويت لم يختاروها ولكن كون أ. امل مربية الفصل صديقة والدتها اذن فإن "نورا" تستحق ان تكون رئيسة الفصل .. ونحن علينا التنافس على مقعد النائبة وأمينة السر ونائبتها ..
وقد شاءت الأقدار بأن اصبح نائبة امينة سر الفصل .. ولم اعي بعد ما مهام امينة السر ليومنا هذا ..
اساسا مهام الرئيس في تلك المرحلة كانت تقتصر على كتابة اسماء الطالبات المزعجات في كل حصة لا تأتي فيها المعلمة والوقوف امام الفصل ، والتظاهر بـالعصبية والذكاء والمثالية وخروج من الفصل دون أي مشكلة والمشي في ممرات المدرسة، والتحدث كيفما شاءت ووقت ما تشاء في الحصص التي لا تتواجد فيها المعلمة ، وكل تلك المميزات اللاتي من كن مثلي يتمنون لو انهم يحضون بفرصة لتجريبها ..

في الصف الرابع كذلك حظيت بفرضة للجلوس أمـاما ، ولأول مرة ، وقد بقيت في ذاك المقعد الأمامي لمدة تقارب الشهر والنصف .. ولم تكتمل فرحتي ، فقد قررت احد المعلمات واتوقع انها كانت معلمة العلوم بتغير مكاني وجعلتني اقعد خلفـا حيث المكان المعتاد والمقدر لي في كل الصفوف وذلك بسبب طولـي الذي ولدت به ..
لانني طويلة كما يقال وجب علي ان اقف خلفا في الطابور المدرسي وفي كل الطوابير التي وقفناها ، ووجب علي ايضا ان اقعد في المقاعد الخلفية في كل الفصول الدراسية بالإبتدائية وقد وجب علي ايضا ان تقبل كل الإهانات التي توجه إلي بسبب هذا الطول ، منها الجملة الشهيرة التي كانت ترددها معلمة الدراسات الاجتماعية في الصف الرابع وعدد من الطالبات في تلك المدرسة الكئيبة والتي تقول " طول طول نخلة ، وعقل عقل صخلة " ..
وكل ما كنت اقوى على فعله هو الصمت والمرور الى حيث كنت اذهب او لربما العودة الى مقعدي والجلوس منعزلة وحيدة منتظرة بمن يأتي ويشعر بإحساسي او على الاقل يلقي علي بنظرات شفقة ورحمة فيحدثني بلطف ويدفعني للحديث عما بداخلي ونثر كل الآلام التي كانت تختلجني لحظتها .. ولكن طال الانتظار الى يومنا هذا ، وها انا امسك جهازي واطقطق على لوحة المفاتيح لاكتب عن كل تلك السنين .. كل تلك السنين حينما كنت طالبـة ، حينما عانيت وبقيت اعاني ، وتمنيت لو انني اخبر احدا عن معاناتي ، واليوم اخبر الجميع عن تلك المعاناة .. وعن تلك اللحظات ، وتلك الآلام التي تسبب فيها البشر ، دون الجمادات ..
لا يعني هذا ان حياتي خلت من اللحظات التي جعلتني اطيـر فرحا ، ودعتني للاستمرار بتفاؤل فيها ، ولكن غالبا ما اللحظات التعيسة والمؤلمة تبقى في كيان النفس منتظرة في الحصول على مخرج لها لتزيح المكان لغيرها من الآلام ، بينما تلك اللحظات السعيدة والرائعة تبقى آبية من الخروج ، ولا تريد ان تنمحي من الذاكرة .. بل تبقى لتذكرنا بأن الحياة لا زالت بخيـر ، وان فيها ما يدعونا للبقاء والاستمرار ..

منذ الصف الرابع الابتدائي بدأنا ندرس مادتين لم نكن ندرسهما في الصفوف التي سبقت وهما " اللغة الانجليزية " و " التربية الاسرية" ..
مادة اللغة الانجليزية أحببناها رغم اننا لم نكن نجيدها إلا ان المعلمة كانت تشجعنا على حب المادة والحصة ، عكس معلمات اللغة العربية ، رغم ان المادة بلغتنا التي نتحدث بها ونتعامل معها في محيطنا ..
بينما مادة "التربية الاسرية " هي تلك المادة التي تقوم مقام " المهارات الحياتية " في وقتنا الحالي .. الفرق بين " التربية الاسرية" و" المهارات الحياتية " ان الاولى كانت فقط مخصصة للبنات بينما المهارات الحياتية فللجنسين على حد سواء ..
في هذه السنة كنا نحب مادة التربية الاسرية وذلك لكون حصة هذه المادة نقوم بالعمل في الغرفة الواسعة .. الاشغال اليدوية والطبخ هي تخصصات هذه المادة ..
اذكر كنا نقوم بتجهيز الفطور ، عمل سندويشات بالجبن ، والخيار ونأكلها .. قمنا بتقشير البرتقال و التفاح لأول مرة وتقطيعها بشكل دوائر ووضعها في صحن التقديم ، ايضا قمنا بعمل كرات من التمر نحشوها باللوز ونرش عليها النارجيل .. اطباق سهلة لذيذة وجميلة .. كنت استمتع بوقتي في المطبخ في تلك الفترة ، عكس الآن ، فأنا اكره دخول المطبخ ، واشعر بأن امي تكرهني بشدة حينما تجبرني على دخول المطبخ للطبخ ..
كنت كثيرا ما اتشوق لهذه المادة رغم اننا كنا ندرسها مرة في الاسبوع فقطـ ، بعكس مادة الرياضيات واللغة العربية والتربية الاسلامية التي ندرسها يوميا واحيانا اكثر من حصة في اليوم لدرجة اننا كنا نشعر بالغثيان بمجرد ما ان نرى احد معلمات هذه المواد تطأ قدمها غرفة الفصـل..

في احد الايام الدراسيـة في ذاك العام – حينما كنت في الصف الرابع – دخلت معلمة الرياضيات ، واذا بها تفاجئنا باختبار شفهي سريع حول جدول الضرب .. اذكر انني كنت من أولئك الذين يصعب عليهم حفظ هذا الجدول الذي سمي بالضرب ، وارى انه قد استحق هذا المسمى بجدارة ، فبسببه تلقيت الكثير من الضرب بالعصي على كفاي الصغيرتان التي لطالما احمرت مرارا بسبب ذلك..
لم اكن الوحيدة التي تتلقى الضرب بسبب جدول الضرب فقد كان اغلب الفصل يعانون بسببه ، لدرجة انه تم وضعنا ضمن قائمة الطلبة الذين سيأخذون دروس تقوية في مادة الرياضيات.. هذه الدروس كانت تعطى في الصباح الباكـر تبدأ بما قبل الطابور الصباحي بما يقارب العشر دقايق وتستمر الى نهاية الطابور ، وقد اخفيت هذا الامر على امي، واساسا كنت اخجل من ان يعرف أي احد عن هذا الموضوع ، فأن تكون ضمن أولئك الذين قرر عليهم اخذ حصص التقوية هذا يعني انك ضعيف في التحصيل الدراسي ، وان تكون ضعيفا في تحصيلك الدراسي فهذا عيب ، وامر يدعوك للخجل من نفسك ، خاصة حينما تخلق في بيئة مليئة بأولئك الكائنات التي تعتبر عبقرية نوعا ما ، وكل عبارات المديح تكون من نصيبهم ..
فأبناء عائلتي كانوا من ضمن هذه الفئة فكل عام كانوا يكرمون بهدايا من والديهم وجدي وجدتي بسبب تفوقهم ، إلا أنا فلم احظى بفرصة للتفوق سوى في الروضة والتمهيدي ..
وقد كنت اكرم احيانا من قبل جدي شفقة على حالي، فقد كنت اشعر بالشفقة على نفسي قبل ان يشفق علي غيري ، وكنت اشعر بالحزن والآسى الشديد .. واحيانا اقول في نفسي ماهو سبب ذلك .. لم اختلف عنهم؟! لم لست املك ذكاء خارقا كذكائهم؟!! كثيـر من التساؤولات كانت تثار في داخلي عند نهاية كل عام دراسي ، وحينما نجتمع جميع فيسألون عن شهاداتهم ومعدلاتهم فتبدأ عبارات المديح تقذف امام الجميع للأغلبية ، إلا أنــا ..

تعليقات

  1. ولازلت متابعا نهمالهذه اليوميات . . بالتوفيق :)

    ردحذف
  2. متابعة ممتعة " مجهول " ..

    يوفقنا جميعا

    وكل عام وانت بخير

    ردحذف
  3. د. لواتـي //

    سنتابع بعد رمضـان ،، ولكن الحكايات مستمرة كل اسبوع في مجلة نساء عمان الالكترونية

    تقريبا كل احد ينزلوا جزء

    شكرا لمتابعتكـ

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

باب لاستقبال التهاني والتبريكات بمناسبة حصولي على " الليسن "

هُنـا باب لاستقبال التهانـي و التبريكات السلام عليكم .. يسعد يومكم يا زوار المدونـة .. قبل ساعة ، نجحت في اختبـار رخصة القيادة بعد معاناة دامت لـ 3 سنوات ، بمعدل 9 محاولات ، 8 منها فاشلة والاخيـرة اليوم والتي انتهت بالنجاح .. سأحكـي لكم قصتي مع هذه الرخـصة العجيـبة ، في الأيام اللاحقـة .. المهم انني حصلت عليها + اهدانـي عمي سيارة ( بيجوت ) ، ولو انها مستعملة ولكن على الاقل معي سيارة اتشاحط بها لووولز .. وهنا استقبل تهانيكم وتبريكاتكم .. وايضا هداياكم اذا في حد بعد يبغا يهديني سيارة مثلا .. 22/08/2010 وضحى البوسعيدي

التخطيط .. جلدا للذات؟!!!

بالأمس و أنا في الطريق لمشوار ما ، كنت استمع لمذيعة في احدى الإذاعات المحليـة تتحدث عن التخطيط للعام الجديد وتذكر وجهة نظر قائلة فيما معناه : لا داعي للتخطيط ، لأن التخطيط قد يتسبب بجلد الذات ، وجلد الذات يهدم النفس.. حقيقة لو أنني لم أكن خلف مقود السيارة لاتصلت ردا على ما قالته.. لأن وجهة نظري مغايرة جدا عن المذكور أعلاه، فبالنسبة لي التخطيط هو الدافع بأن تسير حياتك بإنجازات و إنتاجية أفضل مع تقليل فرص إضاعة الوقت والجهد والمال أحيانا. التخطيط السليم بوجهة نظري لا يمكن أن يتسبب بجلد الذات، لأن على التخطيط السليم أن يكون تخطيطا يتناسب مع قدراتك و ظروفك ، و أن يكون تخطيط مرن قابل للتعديل حسب ما تمر به من ظروف مؤثرة على إمكانياتك.

"لكن" المخيفة، و"الإيجابية" التي تحمل كل السلبيات

    كان اليوم طويلا .. الساعة تمر ببطء شديد، مرعب جداً كم الشعور الذي عشته بالأمس، ومرعب أكثر ما رأيته خلال ساعات.. فجأة فقدت الشعور بالجوع والعطش، ما كنت اتذكر إلا من تذكير والدي وأخي وزوجته وخالاتي. فقدت الشعور بالتعب والألم، ما شعرت إلا بالخوف وبطء الوقت، وكنت اتمنى أن يكون ما أعيشه كابوس . صعب أن تعيش لحظة يقول فيها الطبيب عن حالة تتوقعها بسيطة إلى أنها حالة بحاجة إلى إسعاف طارئ ونقل للمستشفيات المرجعية، الأكثر رعبا أن يخبروك أنهم في انتظار مستشفى يرد على توفر سرير واستقبال المريض.. وتمر الدقائق ببطء لتكمل ساعة وأنت تفقد الأمل، ويبدأ اليأس يتسلل في داخلك، خاصة وأنت تعرف عن الوضع وتشاهد الأرقام وتسمع عن امتلاء المستشفيات .   تسأل عن خيارات أخرى ويخبروك بخيار مرفق به كلمة "لكن" .. ساعة ونصف أو ربما يزيد إلى أن تلقينا رد بقبول الحالة في المستشفى السلطاني، تستعد بكل ما أوتيت من قوة، تتماسك ، تحاول أن تبدوا بمظهر القوي وفي أول لحظة يخبرك الطبيب: "لا يمكن لمرافق الدخول لسيارة الاسعاف" ، مؤلم الشعور أن تترك من تحب يغادر دون أن ترافقه وتكون بقربه.. مؤلم جدا .   كن