التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حكايات طالبة ، فـ2 (1)

الفصل -2-

(1)

كثيـرة هي حكاياتي ، و لا تسع ذاكرتي تخزين كل ذلكـ ، لذلك سأنثر هنا تلك الحكايات التي احتفظت في أوراق ذاكرتي وكأنها نقش على الحجر..
انتهت ايام الروضـة وبدأت ايام الابتدائيـة ، حيث اول سنة لي في مدرسة حكوميـة ، مدرسة خالية من الجنس المزعج كما كنت اجدهم ، إلى انني اكتشفت ان الاناث اكثر ازعاجا وكم تمنيت اكثر من مرة بأن اكون ذكرا ، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، خاصة تلك الأمنيات المستحيلة الحدوث طبيعيا ..

في أول يوم لـي في مدرسة جديدة ، وبلباس جديد ، يغطيني من رأسي الى اخمص قدماي ، الابيض على الرأس وعلى الجزء السفلي ، والاسود في القدمين ، والأصفر والبني فيما بينهمـا ، اول يوم ذهبت هناك برفقة والدتي و ابنة الجيران التي رافقتني ، ولكنها كانت تكبرني بـ سنتين ، فهي كانت بالصف الثالث الابتدائي وانا بالصف الأول ..
كانت تخبرني كثيرا عن مدرستها ، ولم ترتسم في مخيلتي من احاديثها سوى بيت الرعب ، فكل ما كانت تخبرني عن المدرسة لم يكن يشوقني بتاتا للذهاب هناك ، بعكس ما كنت تخبرني أمي ..
نزلنا من السيارة وانا بحقيبتي الجديدة ، كانت وردية ، واجمل من سابقتها كونها اكبـر حجمـا ، وتحوي على مقلمة وردية بمثل نوعها ، وفي الشنطة كذلك مجموعة ألوان ، وقلم رصاص وممحاة ..

حينما وطئت قدماي ساحة ذاك المكان شعرت بشعور غريب ، المكان يضج بالكثيـر من الفتيات والمكان اوسع من ذي قبل إلا انه مزدحم كثيـرا ، كنت التصق بأبنة الجيران "سميـة " خوفا من ان اتوه وسط هذا الزحام ، وماكنت اخاف منه حدث .. كانت كل الامور هناك تحدث وانا اشعر وكأنني في المكان الخاطيء ، حينما رن الجرس ، كان صوته عاليا ، وغريبا لم يكن كجرس المدرسة السابقـة ، وكانت هناك معلمة تمسك مكبر الصوت وتتكلم ، وفجأة المعلمات ازددن ..
مدرستي السابقة لم يكن فيها سوى 5 معلمات تقريبا وان زدن فأنهن لا يتجاوزن السبع .. بعكس هذه المدرسة .. كانت تقول / طابور يابنات .. والمعلمات الاخريات كذلك .. ويقومون بترتيب الطالبات ، كل معلمة تصرخ منادية عن صفها .. وانا لا اعرف في أي صف انا سوى انني كل ما كنت ادركه انني في الصف الأول فقط..
واذا بمعلمة تمسك بيدي وتسألني / في أي صف انتِ؟ من الخوف قلت / لا اعرف .. وبدأت بالبكـاء .. فأخبرتني / انتِ جديدة هنا؟! قلت / نعم .. اريد اختي الغريب والمدهش ان لا اخت لي اصلا .. فسألتني / اختك بهذه المدرسة ؟قلت / نعم قالت / في أي صف هي ؟ قلت / صف الثالث قالت / ثالث كم؟! قلت / لا اعرف سألتني / ما اسمك؟اخبرتها / شمسة قالت / انتِ في الصف الأول .. واخذتني لأقف في احد الصفوف هناكـ ..
كل الطالبات دخلن الى فصولهن إلا نحن ، طالبات الصف الأول .. وبدأوا ينادون بالاسماء بواسطة مكبر الصوت . واخبرونا كل من تسمع اسمها تتجه الى المعلمة الأولى .. ونادوا بالاسماء ، وانتهى فصل المعلمة الأولى ودخلوا للفصل وجاء دور المعلمة الثانيـة ، وكنت انا من ضمن فصل هذه المعلمة .. ادركت ذلكـ حينما نادوا بأسمي قائلين / شمسة سعيد عبدالله ... توجهت هناكـ ، إلى ان انتهوا ودخلنا الى غرفة الصف..

غرفة هذا الصف لم يكن كصفي السابق ، المليء بالألوان والاشكـال .. هذا الصف كان ذو جدران زيتية صفراء ، وبـمقاعد وطاولات خشبية اللون والملمس ، الطاولات فردية ، لم يكن هناك نظام الجلوس الجماعي وانما وزعت بشكل ثنائـي ، الطاولات كانت متسخة وغير نظيفة مشخبطة بالرصاص بها رسومات وشخابيط ، الكراسي مغبرة ..
غرفة الصف كئيب ، يشعرك بالكآبة غصبا عنك وعن تفاؤلك النوافذ ليس بها ستائر ، الخلفية خالية من كل شيء .. السبورة عبارة عن لوح اخضر اللون ، وعليه ممحاة وطبشور ابيض ، طاولة المعلمة في المقدمة، كبيرة الحجم وعلى يمينها دولاب حديدي ... كل واحدة منها اخذت لها مقعدا لتجلس فيه ، وانا جلست في الصف الثالث ، جهة اليسار بالقرب من النافذة .. المعلمة لم تتركنـا كما نحن ، نختار مقاعدنا بحرية .. ينادون بالحرية ويمارسون الديكتاتورية ، قامت وغيرت ترتيبنا ، وقالت انه سيتم توزيعنا حسب الطول ، وللاسف شاءت الاقدار بأن اكون اطول الفتيات هنـاك ، لذا وضعت في المقعد الخلفـي ، وبجانبي طالبة اخرى كانت تعاني نفس معاناتي .. حرمنا من الجلوس في الامام والسبب " اننا اطول من الباقيات " .. ما ذنبنا في ذلك؟! شعرت بالظلم ، وشعرت وكأنني اريد البكاء ولكنني خجلت من ان يروا دموعي .. فلزمت الصمت ..
الهدوء كان سيد المكان .. إلى ان بدأت المعلمة بالسؤال عن اسمائنا .. والكل يجيب .. وعرفت وقتها ان من كانت تقعد بجانبي اسمها " سميرة " .. وايضا عرفت انني لم اكن الشمسة الوحيدة هنـاك ، فقد كن في الفصل اثنين من الشمسات .. ولكن الاثنين يقعدون في مقاعد بالأمام إلا أنـا قابعة في الخلف .. الجو كان حارا ، والمكيف في الفصل لم يكن يبرد ،ولكنه كان يصدر اصواتا ليقطع الهدوء ، المرواح كانت تعمل باستمرار وبسرعة لدرجة انها تشعرك بالدوخة احيانا ..

جلسنا وبعد ان رن الجرس للمرة الأولى ، والثانية ، جاءت معلمتان وبأيديهن مجموعة من الكتب .. قامت المعلمة باختيار 4 طالبات لتوزيع الكتب .. كنت اتمنى من اكون انا احداهن ، ولكن لم يتم اختياري .. ولم اعرف السبب، واعتقدت انه لربما رفضت كذلك بسبب طولـي .. وبدأت من وقتها اتعقد من طولي ..

حينما رن جرس الثالث اخبرتنا المعلمة انها " الفسحة " .. فخرجن كل الطالبات بينما انا بقيت في مكاني ، فأخبرتني المعلمة الفسحة ، يجب ان تخرجي لتأكلي ..اخرجت شنطة الطعام، وخرجت، لم اكن اريد الخروج كوني لا اعرف المكان ، واخاف بأن اتوه ولا اعرف ان اعود الى الفصل مجددا .. خرجت وجلست امام باب الفصل ، كنت مثل ورقة شجرة في شجرة الخريف .. الوحدة هي كانت ما تجتاحني في تلك اللحظة ، والغربة هو الشعور الاخر الذي كان يلازمني وقتها .. فقد بدا كل شيء غريب لي هناك .. كنت اكل شطيرة البرجر بالجبن ، وارتشف شياء من سنتوب البرتقال ، وانا اقلب عيناي في ذاك المكان .. ارى مجموعة تلعب هناك واخرى هناك مجتمعة تتحدث ، واثنتين يتمشون ، وانا وحيدة هنـا ، لا احد معي ، ولا احد يرانـي .. كنت اعتقد انني لربما ابدو مخفية وغير مرئية ، فلا عين كانت تنظر إلي ولا شعرت بأحد يلمحني ولو للحظة .. وقتها صدقت كل ما كانت تقوله لي "سمية" ، لا شيء جميل في هذه المدرسة ..
كنت اتمنى لو ارى سميرة على الاقل سأشعر بالراحة قليلا واجد احدا اتحدث إليه او على الاقل اجلس بجانبه وان لزمت الصمت .. ولكن لم اراها ، طالت الفسحة كثيرة و شعرت بالملل وتمنيت لو اعود للمنزل .. وحينما رن الجرس عدت لحيث مقعدي.. بدأت اقلب الكتابين اللذين استلمتهم .. كتب بها كلمات وصور ملونه .. الكتاب الأول كتب في غلافه : " اقرأ" .. كان ازرق اللون .. والآخر كان اصفر اللون ، مكتوب في غلافه " الرياضيات " يحوي على رقام واشكال مكعبات و واشكال هندسية ملونة ..قلبت الكتب ، وادخلتها في الشنطة .. الفتاة التي كانت بجانبي " سميرة " ، فعلت ما فعلته ، ومن ثم اخرجت دفترا وبدأت ترسم وتلون ، وبدأت تتعرف على الطالبات الاخريات .. بينما انا عجزت ان افعل ما تفعله ، وانتظرت بأن تأتي احد الفتيات لتكلمني ، ولكنني انتظرت كثيرا إلى ان رن الجرس واخبرتنا المعلمة انها الطلقة واننا اليوم سنخرج من المدرسة مبكـرا ..

لم اكن اعرف اين هو الباص الذي يتوجب علي ان اركبه ، وفجأة ، وكأنما ربي بعث سمية إلي ، فإذا بها تأتي وتمسكني بيدي ، واخذتني الى الباص ..الباص كان كبيـرا ، ومخيفا ، الكراسي فيه مشخبطة ومكسورة ، لا ستائر ، ولا مكيفات .. ولا هواء و ازدحام ، لا مكان للجلوس ، فاضطررنا انا وسمية بأن نكون ضمن الفئة التي تقف في الوسط ممسكة بالعمود العلوي .. المشهد يشبه مشهد الهنود في الأفلام حينما يكونون في رحلة بالقطـار .. الذي يختلف هنا اننا في باص والاختلاف الاخر اننا هنا كلنا اطفال ، وكلنا من جنس واحد ، بينما هناك كل الفئات الصغار الكبار والاناث والذكور .. الباص من الخارج ، كان برتقالي اللون وبه خطوط سوداء، كان يشبه قليلا باص المدرسة العجيب .. المهم ، وصلنا ولكن لم نصل الى المنزل ، سمية نزلت ونزلت معها .. الباص كان يقف على بعد من منزلنا .. كان علينا ان نقطع الشارع ، وان ننتظر كثيرا لمرور السيارات حتى نقطع هذا الشارع لنصل الى الجهة الثانية فنصل للمنزل .. بالقرب بمقابل منزلنا كان هناك دكان صغير ، فأخبرت سمية بأني اريد ان اذهب الى الدكان ، فأخذتني معها ، وذهبنا معا واشترينا شيئا نشربه ، فبعد تلك الحرارة وذاك الوقوف الطويل كنا نحتاج الى شيء بارد جدا يبرد الاحشاء الداخلية للجسم .. اخذنا عصائر وعبرنا الشارع وعدت انا للمنزل بينما اكملت سمية طريقها الى بيتهم ...

دخلت راكضة على الكرسي في الصالة .. ونمت عليه من التعب كانت تكلمني " نورما " ولم اكن اجيبها من التعب .. تخبرني بأن افسخ ثيابي واذهب للاستحمام ولكن لا مجيب .. نمت هنـاك لاشعوريـا .. فبعد ذاك اليوم الطويل كنت بحاجة إلى نوم يزيل كل ذاك التعب والارهاق .. كنت احتاج الى نوم ينسيني كل تلك الوحدة وكل ذاك الشعور بالغربة .. كنت بحاجة الى نوم ينسيني انني طويلة وان طولي اوجب علي الجلوس في الخلف ..

تعليقات

  1. تفااصيل جميله ،،
    متاابعين لك أختي ،،

    ردحذف
  2. هيلـة /

    شكرا لمتابعتك الدائمة للمدونة ،،

    هي مجرد تفاصيل من حياة طالـبة ، لربما تشتابهت مع حياة الاخرين

    متابعة ممتعة للحكايات

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

باب لاستقبال التهاني والتبريكات بمناسبة حصولي على " الليسن "

هُنـا باب لاستقبال التهانـي و التبريكات السلام عليكم .. يسعد يومكم يا زوار المدونـة .. قبل ساعة ، نجحت في اختبـار رخصة القيادة بعد معاناة دامت لـ 3 سنوات ، بمعدل 9 محاولات ، 8 منها فاشلة والاخيـرة اليوم والتي انتهت بالنجاح .. سأحكـي لكم قصتي مع هذه الرخـصة العجيـبة ، في الأيام اللاحقـة .. المهم انني حصلت عليها + اهدانـي عمي سيارة ( بيجوت ) ، ولو انها مستعملة ولكن على الاقل معي سيارة اتشاحط بها لووولز .. وهنا استقبل تهانيكم وتبريكاتكم .. وايضا هداياكم اذا في حد بعد يبغا يهديني سيارة مثلا .. 22/08/2010 وضحى البوسعيدي

التخطيط .. جلدا للذات؟!!!

بالأمس و أنا في الطريق لمشوار ما ، كنت استمع لمذيعة في احدى الإذاعات المحليـة تتحدث عن التخطيط للعام الجديد وتذكر وجهة نظر قائلة فيما معناه : لا داعي للتخطيط ، لأن التخطيط قد يتسبب بجلد الذات ، وجلد الذات يهدم النفس.. حقيقة لو أنني لم أكن خلف مقود السيارة لاتصلت ردا على ما قالته.. لأن وجهة نظري مغايرة جدا عن المذكور أعلاه، فبالنسبة لي التخطيط هو الدافع بأن تسير حياتك بإنجازات و إنتاجية أفضل مع تقليل فرص إضاعة الوقت والجهد والمال أحيانا. التخطيط السليم بوجهة نظري لا يمكن أن يتسبب بجلد الذات، لأن على التخطيط السليم أن يكون تخطيطا يتناسب مع قدراتك و ظروفك ، و أن يكون تخطيط مرن قابل للتعديل حسب ما تمر به من ظروف مؤثرة على إمكانياتك.

"لكن" المخيفة، و"الإيجابية" التي تحمل كل السلبيات

    كان اليوم طويلا .. الساعة تمر ببطء شديد، مرعب جداً كم الشعور الذي عشته بالأمس، ومرعب أكثر ما رأيته خلال ساعات.. فجأة فقدت الشعور بالجوع والعطش، ما كنت اتذكر إلا من تذكير والدي وأخي وزوجته وخالاتي. فقدت الشعور بالتعب والألم، ما شعرت إلا بالخوف وبطء الوقت، وكنت اتمنى أن يكون ما أعيشه كابوس . صعب أن تعيش لحظة يقول فيها الطبيب عن حالة تتوقعها بسيطة إلى أنها حالة بحاجة إلى إسعاف طارئ ونقل للمستشفيات المرجعية، الأكثر رعبا أن يخبروك أنهم في انتظار مستشفى يرد على توفر سرير واستقبال المريض.. وتمر الدقائق ببطء لتكمل ساعة وأنت تفقد الأمل، ويبدأ اليأس يتسلل في داخلك، خاصة وأنت تعرف عن الوضع وتشاهد الأرقام وتسمع عن امتلاء المستشفيات .   تسأل عن خيارات أخرى ويخبروك بخيار مرفق به كلمة "لكن" .. ساعة ونصف أو ربما يزيد إلى أن تلقينا رد بقبول الحالة في المستشفى السلطاني، تستعد بكل ما أوتيت من قوة، تتماسك ، تحاول أن تبدوا بمظهر القوي وفي أول لحظة يخبرك الطبيب: "لا يمكن لمرافق الدخول لسيارة الاسعاف" ، مؤلم الشعور أن تترك من تحب يغادر دون أن ترافقه وتكون بقربه.. مؤلم جدا .   كن